فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (24):

قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تشوفت النفس إلى جواب العلي الكبير سبحانه، أجيبت بقوله: {قال اهبطوا} أي إلى دار المجاهدة والمقارعة والمناكدة حال كونكم {بعضكم لبعض عدو} أي أنتما ومن ولدتماه أعداء إبليس ومن ولد، وبعض أولادكم أعداء لبعض، ولا خلاص إلا باتباع ما منحتكم من هدى العقل وما أنزلت إليكم من تأييده بالنقل، وفي ذلك تهديد صادع لمن له أدنى مسكة بالإشارة إلى قبح مغبة المخالفة ولو مع التوبة، وحث على دوام المراقبة خوفًا من سوء المعاقبة {ولكم في الأرض} أي جنسها {مستقر} أي موضع استقرار كالسهول وما شابهها {ومتاع إلى حين} أي انقضاء آجالكم ثم انقضاء أجل الدنيا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا الذي تقدم ذكره هو آدم، وحواء، وإبليس، وإذا كان كذلك فقوله: {اهبطوا} يجب أن يتناول هؤلاء الثلاثة {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} يعني العداوة ثابتة بين الجن والإنس لا تزول ألبتة. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله: {قَالَ اهبطوا} يعني: آدم وحواء عليهما السلام وإبليس لعنه الله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} يعني: إبليس عدوّ لآدم وحواء {وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ} أي: منزل وموضع القرار {ومتاع إلى حِينٍ} أي: معاش إلى وقت الموت. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}
فإن قيل: فالمأمور بالهبوط آدم وحواء لأن إبليس قد كان أهبط من قبل حين امتنع عن السجود لآدم، فكيف عبر عنهما بلفظ الجمع؟
فعن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه خبر عن هبوطهم مع تفرقهم وإن خرج مخرج الأمر، قاله السدي.
والثاني: أنهم آدم وحواء والحية، فكانوا جماعة، قاله أبو صالح.
والثالث: أنهم آدم وحواء والوسوسة، قاله الحسن.
فهبط آدم بأرض الهند على جبل يقال له واسم، وهبطت حواء بجدة، وهبطت الحية بأصفهان.
وفي مهبط إبليس قولان. أحدهما بالأبلة.
والثاني: بالمدار.
وقيل أسكنهما الجنة لثلاث ساعات خلت من يوم الجمعة، وأخرجهما لتسع ساعات خلت من ذلك اليوم.
{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} أما المستقر ففيه وجهان:
أحدهما: أنه فعل الاستقرار. والثاني: أنه موضع الاستقرار، قاله أبو صالح.
وأما المتاع فهو المنتفع به من عروض الدنيا التي يستمتع بها.
وقوله: {إِلَى حِينٍ} يعني إلى انقضاء الدنيا، والحين وقت مجهول القدر ينطلق على طويل الزمان وقصيره وإن كان موضوعًا في الأغلب للتكثير.
قال الشاعر:
وما مزاحك بعد الحلم والدين ** وقد علاك مشيب حين لا حين

أي وقت لا وقت. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}
المخاطبة بقوله: {اهبطوا} قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم: هي لآدم وحواء وإبليس والحية، وقالت فرقة: هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت، فإن قيل خاطبهم وأمرهم بشرط الوجود فذلك يبعد في هذه النازلة لأن الأمر بشرط الوجود إنما يصح إذا ترتب على المأمور بعد وجوده وصح معناه عليه كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وأما هنا فإن معنى الهبوط لا يتصور في بنى آدم بعد وجودهم ولا يتعلق بهم من الأمر به شيء، وأما قوله في آية أخرى {اهبطا} [طه: 123] فهي مخاطبة لآدم وإبليس بدليل بيانه العداوة بينهما، وعدو فرد بمعنى الجمع، تقول قوم عدو وقوم صديق، ومنه قول الشاعر:
لعمري لئن كنتم على النأي والغنى ** بكم مثل ما بي إنكم لصديق

وعداوة الحياة معروفة، وروى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما سالمناهن منذ حاربناهن»، وقال عبد الله بن عمر: «من تركهن فليس منا»، وقالت عائشة «من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
قال القاضي أبو محمد: وإنما يعرض في أمرهن حديث الفتى في غزوة الخندق، وقول النبي عليه السلام: إن جنًا بالمدينة قد أسلموا فمن رأى من هذه الحيات شيئًا في بيته فليحرج عليه ثلاثًا فإن رآه بعد ذلك فليقتله فإنما هو كافر.
وقوله تعالى: {مستقر} لفظ عام لزمن الحياة ولزمن الإقامة في القبور، وبزمن الحياة فسر أبو العالية وقال: هي كقوله: {الذي جعل لكم الأرض فراشًا} [البقرة: 22] وبالإقامة في القبور فسر ابن عباس واللفظ يعمهما فهي كقوله: {ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياء وأمواتًا} [المرسلات: 25] وأما المتاع فهو بحسب شخص شخص، في زمن الحياة اللهم إلا أن يقدر سكنى القبر متاعًا بوجه ما، والمتاع التمتع والنيل من الفوائد، و{إلى حين} هو بحسب الجملة قيام الساعة، وبحسب مفرد بلوغ الأجل والموت، والحين في كلام العرب الوقت غير معين.
وروي أن آدم عليه السلام أهبط بالهند وحواء بجدة، وتمناها بمنى، وعرف حقيقة أمرها بعرفة، ولقيها بجمع وأهبط إبليس بميسان وقيل بالبصرة وقيل بمصر فباض فيها وفرخ، قال ابن عمر وبسط إبليس فيها عبقرية، وذكر صالح مولى التؤمة قال في بعض الكتب لما أهبط إبليس قال رب أين مسكني؟ قال مسكنك الحمام ومجلسك الأسواق ولهوك المزامير وطعامك مالم يذكر عليه اسمي وشرابك المسكر، ورسلك الشهوات وحبائلك النساء. وأهبطت الحية بأصبهان.
وروي أنها كانت ذات قوائم كالبعير فعوقبت بأن ردت تنساب على بطنها، وروي أن آدم لما أهبط إلى شقاء الدنيا علم صنعة الحديد ثم علم الحرث فحرث وسقى وحصد وذرا وطحن وعجن وخبز وطبخ وأكل فلم يبلغ إلى ذلك حتى بلغ من الجهد ما شاء الله، وروي أن حواء قيل لها يا حواء كما دميت الشجرة فأنت تدمين في كل شهر وأنت لا تحمل إلا كرهًا ولا تضع إلا كرهًا، قال فرنت عند ذلك فقيل لها الرنة عليك وعلى ولدك.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذه القصة من الأنباء كثير اختصرتها إذ لا يقتضيها اللفظ. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {قال اهبطوا}
قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله: إن الذي تقدم ذكره هو آدم وحواء وإبليس فقوله اهبطوا يجب أن يتناول هؤلاء الثلاثة.
وقال الطبري: قال الله تعالى لآدم وحواء وإبليس والحية اهبطوا يعني من السماء إلى الأرض قال السدي رحمه الله: قوله تعالى: {اهبطوا} يعني إلى الأرض آدم وحواء وإبليس والحية {بعضكم لبعض عدو} يعني أن العداوة ثابتة بين آدم وإبليس والحية وذرية كل واحد من آدم وإبليس {ولكم في الأرض مستقر} يعني موضع قرار تستقرون فيه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {ولكم في الأرض مستقر} يعني القبور {ومتاع إلى حين} يعني ولكم فيها متاع تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا أو إلى انقضاء آجلكم ومعنى الآية أن الله عز وجل أخبر آدم وحواء وإبليس والحية أنه إذا أهبطهم إلى الأرض فإن بعضهم لبعض عدو وأن لهم في الأرض موضع قرار يستقرون فيه إلى انقضاء آجالهم ثم يستقرون في قبورهم إلى انقطاع الدنيا.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {ومتاع إلى حين} يعني إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} استئناف كما مر مرارًا {اهبطوا} خطابٌ لآدمَ وحواءَ وذريتِهما، أو لهما ولإبليسَ، كُرر الأمرُ تبعًا لهما ليعلمَ أنهم قرناءُ أبدًا، أو أُخبر عما قال لهم مفرّقًا كما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} ولم يُذكر هاهنا قَبولُ توبتِهما ثقةً بما ذكر في سائر المواضع {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} جملةٌ حالية من فاعل اهبطوا أي مُتعادِين {وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ} أي استقرارٌ أو موضعُ استقرارٍ {ومتاع} أي تمتعٌ وانتفاع {إلى حِينٍ} هو حينُ انقضاءِ آجالِكم. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ} استئناف كما مر مرارًا {اهبطوا} المأثور عن كثير من السلف أنه خطاب لآدم وحواء عليهما السلام وإبليس عليه اللعنة، وكرر الأمر له تبعًا لهما إشارة إلى عدم انفكاكه عن جنسهما في الدنيا أو أن الأمر وقع مفرقًا وهذا نقل له بالمعنى وإجمال له كما في قوله تعالى: {وَمَعِينٍ يا أَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} [المؤمنون: 51] وقيل: إن الأمر بالنسبة إلى اللعين غير ما تقدم فإنه أمر له بالهبوط من حيث وسوس.
واختار الفراء كونه خطابًا لهما ولذريتهما وفيه خطاب المعدوم، وقيل: إنه لهما فقط لقوله سبحانه: {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123] والقصة واحدة، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر فكأنهم هم.
ومن الناس من قال: إن مختار الفراء هو هذا، وقيل: إنه لهما ولابليس والحية.
واعترض وأجيب بما مر في سورة البقرة، والظاهر من النظم الكريم أن آدم عليه السلام عاجله ربه سبحانه بالعتاب والتوبيخ على فعله ولم يتخلل هناك شيء، ونقل الأجهوري عن حجة الإسلام الغزالي أنه عليه السلام لما أكل من الشجرة تحركت معدته لخروج الفضلة ولم يكن ذلك مجعولًا في الجنة في شيء من أطعمتها إلا في تلك الشجرة فلذلك نهي عن أكلها فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكًا يخاطبه فقال له: أي شيء تريد يا آدم؟ قال: أريد أن أضع ما في بطني من الأذى فقال له: في أي مكان تضعه أعلى الفرش أم على السرر أم في الأنهار أم تحت ظلال الأشجار هل ترى هاهنا مكانًا يصلح لذلك؟ ثم أمره بالهبوط وأنا لا أرى لهذا الخبر صحة، ومثله ما روي عن محمد بن قيس قال: إنه عليه السلام لما أكل من الشجرة ناداه ربه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك؟ قال: أطعمتني حواء فقال سبحانه: يا حواء لم أطعمتيه؟ قالت أمرتني الحية فقال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس فقال الله تعالى: أما أنت يا حواء فلأُدْمِينَّك كل شهر كما أدميت الشجرة.
وأما أنت يا حية فأقطع رجليك فتمشين على وجهك وسيشدخ وجهك كل من لقيك.
وأما أنت يا إبليس فملعون.
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في موضع الحال من فاعل {اهبطوا} وهي حال مقارنة أو مقدرة، واختار بعض المعربين كون الجملة استئنافية كأنهم لما أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا؟ فأجيبوا بأن بعضكم لبعض عدو، وأمر العداوة على تقدير دخول الشيطان في الخطاب ظاهر، وأما على تقدير التخصيص بآدم وحواء عليهما السلام فقد قيل: إنه باعتبار أن يراد بهما ذريتهما إما بالتجوز كإطلاق تميم على أولاده كلهم أو يكتفي بذكرهما عنهم، واختار بعضهم كون العداوة هنا بمعنى الظلم أي: يظلم بعضكم بعضًا بسبب تضليل الشيطان فليفهم.
{وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ} أي استقرار أو موضع استقرار فهو إما مصدر ميمي أو اسم مكان.
وجوز أن يكون اسم مفعول بمعنى ما استقر ملككم عليه وجاز تصرفكم فيه.
ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ومحتاج إلى الحذف والإيصال، واللفظ في نفسه يحتمل أن يكون اسم زمان إلا أنه غير محتمل هنا لأنه يتكرر مع قوله سبحانه: {ومتاع} أي بلغة {إلى حِينٍ} يريد به وقت الموت، وقيل: القيامة وتجعل السكنى في القبر تمتعًا في الأرض أو يقال: معنى {لَكُمْ} لجنسكم ولمجموعكم، والظرف قيل: متعلق بمتاع أو به وبمستقر على التنازع إن كان مصدرًا.
وقيل: إنه متعلق بمحذوف وقع صفة لمتاع. اهـ.